البيئة والحراج في منطقة عفرين - جبل الكرد تأليف المهندس الزراعي ممدوح طوبال حمو |
الكتاب العلمي القيم البيئة والحراج في منطقة عفرين - جبل الكرد
تأليف المهندس الزراعي ممدوح طوبال حمو
إن موضوع البيئة والحراج في هذا العصر الذي نعيش فيه أصبح عنواناً كبيراً
ومعقداً وشائكاً، ونال حيزاً كبيراً من اهتمامات المجتمع الدولي من منظمات دولية وإقليمية وحكومات قطرية، ومنظمات المجتمع المدني، وجمعيات حماية البيئة التي تعمل بشكل دؤوب وتعقد المؤتمرات الدولية والاجتماعات المحلية، وتقيم المشاريع والنشاطات المشتركة بين الدول والأقاليم وتتبادل الخبرات، وتجري الأبحاث العلمية والتجارب المحلية.كل ذلك من أجل تدارك الآثار السلبية، وتعويض المواد المستنفذة من الطبيعة والبيئة التي يعيش فيها الإنسان وذلك للحفاظ على صحته من الأوبئة والأمراض وتخفيف التلوث المحدق بالبيئة نتيجة التطور الصناعي الكبير الذي حدث، وتزايد عدد السكان في العالم، والزحف السكاني على حساب الأراضي الزراعية الخصبة، وحدوث الكوارث الطبيعية من: زلازل وفيضانات وبراكين وارتفاع درجات حرارة الأرض، والحروب المدمرة والطاحنة، والاستثمار الجشع من قبل الإنسان للموارد الطبيعية وبأساليب غير علمية وسليمة، ونشر الفضلات والنفايات الصناعية بطرق عشوائية، وعدم معالجة فضلات المدن الكبيرة وتركها في العراء، أدت بمجملها إلى فقدان التوازن البيئي في الطبيعة وانتشار الغبار الملوث، وتصاعد الدخان والأبخرة السامة، واتساع المساحات الجافة والصحراوية، وتلوث المياه الجوفية والينابيع والأنهار والبحار، والذي بدوره انعكس سلباً على حياة الإنسان من انتشار للأمراض والأوبئة الفتاكة.
والعامل الأساسي الذي له التأثير الكبير على البيئة هي الغابات، لأنها تحتوي على مادة اليخضور وهو المصنع الذي يأخذ كل العوامل السلبية التي ذكرناها في البيئة ويحولها إلى مواد مفيدة وعوامل إيجابية لتحقيق التوازن البيئي وحمايتها وصيانتها وترميمها لتبقى الحيز المناسب لحياة الإنسان وديمومته.
فبدءً من غاز ثاني اوكسيد الكربون الذي يحوله النباتات إلى الأوكسجين الضروري لتنفس الكائنات الحية، وإلى المواد الأخرى الموجودة في الطبيعة من مياه ملوثة، وأمطار حامضية، إلى الغازات السامة والغبار المنتشر، وإلى الأتربة والمواد المعدنية التي تدخل في تركيبها، إلى تفتيت الصخور وتحويلها لتربة خصبة تحوي على المواد العضوية المفيدة للزراعة، إلى تحقيق التوازن في منع انجراف التربة نتيجة السيول، إلى إنتاج المواد العطرية ذات الرائحة الطيبة، والمواد الطبية المفيدة لحياة الإنسان ومعالجة الأمراض التي تصيبه، إلى إنتاج الغذاء من بذور وثمار وأوراق وبراعم غضة وجذور ودرنات تحت التربة. كل ذلك غيض من فيض مما تلعبه الغابات من دور أساسي في تحقيق التوازن البيئي.
o لذلك وفي بداية عام 2015 وفي خضم الأزمة السورية الراهنة والحرب المدمرة التي مر عليها أربع سنوات أي: من آذار 2011. هذه الحرب التي فتكت بالبشر والحجر والشجر، وكوني مهندساً زراعياً وعملت حوالي عشرين عاماً في مجال البيئة والغابات، وما رأيته من عبث وفوضى في قطع الأشجار والتعدي الإجرامي على الغابات الطبيعية، ونتيجة محبتي وحرصي الشديد على الأشجار وبشكل عام على الغابات، فقد قررت أن أكتب بحثاً متواضعاً عن البيئة والحراج في منطقة عفرين، منطقة جميلة غنية بالغابات الطبيعية والأشجار والشجيرات المتنوعة والتي كانت تعتبر متنفساً لسكان محافظة حلب وربما المنطقة الشمالية والشرقية لسورية.
فبدأتُ بالاعتماد على المراجع والكتب الجامعية والأجنبية والنشرات الزراعية المحلية، والتقيت بالزملاء العاملين في مجال الحراج والبيئة ممن لهم باع طويل فيها، كذلك دونت المعلومات من خلال عملي الوظيفي والجولات الميدانية التي كنت أقوم بها، ولقائي مع السكان المحليين في القرى الحراجية، وبالاستفادة من التجارب والمشاريع المنفذة في المنطقة مع المنظمات الدولية والجولات الاطلاعية خارج البلاد مثل تونس وتركية.
كل ذلك كان حافزاً لي بأن ادون كتاباً عن الموضوع المذكور والذي يشمل التعريف بمنطقة عفرين من حيث الموقع والمساحة والسكان والغابات الطبيعية والأشجار والنباتات المرافقة ومشاريع التحريج الاصطناعي والأنواع المزروعة والمساحات المشجرة ومدى تأقلمها ونجاحها في المنطقة، بالإضافة إلى عمل الدائرة المسؤولة عن الغابات في المنطقة من مشاتل وحماية وتشجير وأعمال تنظيم وإدارة الغابات والتربية والتنمية والاستثمار، ودراسة المواقع المتدهورة، والقيام بتشجيرها بالأنواع الملائمة والمفيدة، وكذلك التنويه إلى الممارسات السكانية وتعاملها مع الغابات عبر الفترات السابقة والحالية للحفاظ عليها وحمايتها، وأساليب العمل المتبعة، وكذلك التنويه لفائدة الغابات وأهميتها في حياة الإنسان والبيئة، والوقوف على الآثار السلبية والممارسات السيئة على الغابات، والوقوف على بعض المواقع الخاصة والتي تدل على التغطية الغابية للمنطقة قديماً كالمقامات والمزارات الدينية التي تكون الأشجار حولها محمية لأسباب اعتقادية وبقيت فيها أشجار معمرة وكبيرة.
وفي النهاية .. وضع مقترحات ربما تكون في المستقبل ذو فائدة للمهتمين والهواة وأصحاب القرار في إدارة الغابات وتنظيمها والحفاظ على البيئة وصيانتها، كذلك على مستوى المواطن العادي بتعريفه بالأشجار والشجيرات والنباتات المرافقة وأهميتها في حياته وحياة أبناءه وحياة الأجيال القادمة.